فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{وَلاَ تَكُونُواْ كالذين خَرَجُواْ مِن ديارهم بَطَرًا وَرِئَاء الناس وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله}
قوله: {بَطَرًا ورِئاءَ}
منصوبان على المفعول له، ويجوزُ أن يكونا مصدرين في موضع نصبٍ على الحال، من فاعل: خَرَجُوا، أي: خَرُجوا بطرينَ ومُرائين، ورئَاءَ مصدرٌ مضاف لمفعوله.
قوله: {ويَصُدُّونَ}: يجوزُ أن يكون مستأنفًا، وأن يكون عطفًا على: {بَطَرًا ورِئَاءَ} وحفَ المفعولُ للدَّلالةِ عليه.
فإن قيل: {يَصُدُّون} فعل مضارع، وعطف الفعل على الاسم غير حسن.
فذكر الواحديُّ في الجواب ثلاثة أوجه:
الأول: أن {يَصُدُّون} بمعنى: صادين، أي: بطرين ومرائين وصادين.
والثاني: أن يكون قوله: {بَطَرًا ورِئَاءَ} حالان على تأويل: مبطرين ومرائين، ويكون قوله: {ويصدون} أي: وصادين.
الثالث: أن يكون قوله: {بَطَرًا ورِئَاءَ} بمنزلة: يبطرون ويراءون.
قال ابنُ الخطيبِ: إن شيئًا من هذه الوجوه لا يشفي الغليل؛ لأنَّهُ تارةً يقيم الفعل مقام الاسم وأخرى يقيم الاسم مقام الفعل ليصح له كون الكلمة معطوفة على جنسها.
وكان من الواجب عليه أن يذكر السبب الذي لأجله عبَّر عن الأولين بالمصدر، وعن الثالث بالفعل.
قال: إنَّ الشيخ عبد القاهر الجرجاني، ذكر أنَّ الاسم يدلُّ على التَّمكين والاستمرار، والفعل على التجدد والحدوث، مثاله في الاسم قوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} [الكهف: 18] وذلك يقتضي كون تلك الحالة ثابتة راسخة، ومثال الفعل قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السماء والأرض} [يونس: 31] وذلك يُدلُّ على أنه تعالى يوصل الرِّزق إليهم ساعة فساعة.
وإذا عرفت ذلك فنقول: إنَّ أبا جهلٍ ورهطهُ كاناو مجبولين على البطرِ، والمفاخرة والعجب وأما صدهم عن سبيل اللَّهِ فإنما حصل في الزَّمانِ الذي ادَّعى محمد- عليه الصَّلاة والسَّلام- فيه النبوة، فلهذا ذكر البطر والرئاء بصيغة الاسم، وذكر الصد بصيغة الفعل.
واعلم أنَّ الذي قاله ابن الخطيب لا يخدش فيما أجاب به الواحديُّ؛ لأنَّ الواحدي إنَّما أراد من حيث الصِّناعة، لا من حيث المعنى. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)}
يريد أنَّ أهل مكة لما خرجوا من مكة عام بدر لنصرة العير مَلَكَتْهُم العِزَّةُ، واستمكن منهم البَطَرُ، وداخَلَهم رياءُ الناس، فارتكبوا في شِبَاكِ غَلَطِهم، وحصلوا على ما لم يحتسبوه. وأمَّا المؤمنون فَنَصَرَهم نَصْرًا عزيزًا، وأزال عن نبيِّه عليه السلام ما أظَلَّه من الخوف وبِصِدْقِ تبريه عن حوله ومُنَّتِه- حين قال: «لا تكلني إلى نفسي»- كفاه بحسن التولِّي فقال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (48):

قوله تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان بين لهم فساد أعمالهم لفساد نياتهم تنفيرًا منها، زاد في التنفير بالإشارة إلى الأمر بدوام تذكرها بعاطف على غير معطوف عليه مذكور فقال؛ {وإذ} فعلم أن التقدير قطعًا: اذكروا ذلك واذكروا إذ، وزاد في التنفير بذكر العدو المبين والتنبيه على أن كل ما يأمر به إنما هو خيال لا حقيقة له كما كان ما سول لهم في هذا الأمر فقال: {زين لهم الشيطان} أي العدو المحترق البعيد من الخير {أعمالهم} التي أتقنوها بزعمهم في معاداة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه تبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكناني حين خافوا من قومه بني كنانة أن يخلفوهم في أهليهم بسوء لما كان بينهم مما يوجب ذلك، فكاد ذلك أن يثبطهم عن الميسر {وقال} غارًّا لهم في أنفسهم {لا غالب لكم} والجار خبر {لا} وإلاّ لا انتصب اسمها لكونه يكون إذ ذاك شبيهًا بالمضاف {اليوم من الناس} وغارًّا لهم فيمن خلفوه بقوله: {وإني جار لكم} من أن تخلفكم كنانة بشيء تكرهونه، وسار معهم إلى بدر ينشطهم وينشدهم ويسلطهم بهذا القول الظاهر إلى ما يوسوس لهم به في الصدور {فلما تراءت الفئتان} أي رأت كل فئة الأخرى ورأى جبريل عليه السلام في جنود الله: {نكص} أي رجع يمشي القهقرى وبطل كيده وآثار وسوسته {على عقبيه} أي إلى ورائه، فقالوا أين أي سراق؟ ولا يظنونه إلا سراقة، فمر ولم يجبهم ولا عرج عليهم {وقال} أي بلسان الحال أو القال وهو يسمعونه أو لا يسمعونه {إني بريء منكم} ثم علل براءته منهم بقوله: {إني أرى} أي بعين بصري {ما لا ترون} أي من الملائكة والغضب الذي هو نازل بكم، فقال له الحارث بن هشام وكانت يده في يده: والله ما نرى إلا جواسيس يثرب! فاستأنف قوله مؤكدًا لإنكارهم لذلك: {إني أخاف الله} أي المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا أن يهلكني معكم بالمعاجلة بالعقاب {والله} أي الملك الأعظم {شديد العقاب} فكانوا يقولون: انهزم بنا سراقة، فقال؛ بلغني أنكم تقولون كذا! والله ما علمت بمسيركم هذا إلا عندما بلغني انهزامكم فكانوا يكذبونه حتى أسلموا فعلموا أن الذي غرهم الشيطان، وذلك مشهور في السير، وهو أولى من أن يحمل على مجرد الوسوسة، وفي الحديث: «ما رئي إبليس يومًا أصغر ولا أحقر ولا أغيظ من يوم عرفة لما يرى من نزول الرحمة إلا ما رئي يوم بدر». اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ}
اعلم أن هذا من جملة النعم التي خص أهل بدر بها وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
العامل في {إِذْ} فيه وجوه: قيل: تقديره اذكر إذ زين لهم، وقيل: هو عطف على ما تقدم من تذكير النعم، وتقديره: واذكروا إذ يريكموهم وإذ زين، وقيل: هو عطف على قوله: خرجوا بطرًا ورئاء الناس.
وتقديره: لا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورثاء الناس وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم.
المسألة الثانية:
في كيفية هذا التزيين وجهان: الأول: أن الشيطان زين بوسوسته من غير أن يتحول في صورة الإنسان، وهو قول الحسن والأصم.
والثاني: أنه ظهر في صورة الإنسان.
قالوا: إن المشركين حين أرادوا المسير إلى بدر خافوا من بني بكر بن كنانة، لأنهم كانوا قتلوا منهم واحدًا، فلم يأمنوا أن يأتوهم من ورائهم، فتصور لهم إبليس بصورة سراقة بن مالك بن جعشم وهو من بني بكر بن كنانة وكان من أشرافهم في جند من الشياطين، ومعه راية، وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم مجيركم من بني كنانة، فلما رأى إبليس نزول الملائكة نكص على عقيبه.
وقيل: كانت يده في يد الحرث بن هشام، فلما نكص قال له الحرث: أتخذ لنا في هذه الحال؟ فقال: إني أرى ما لا ترونا ودفع في صدر الحرث وانهزموا.
وفي هذه القصة سؤالات:
السؤال الأول: ما الفائدة في تغيير صورة إبليس إلى صورة سراقة؟
والجواب فيه معجزة عظيمة للرسول عليه السلام وذلك لأن كفار قريش لما رجعوا إلى مكة قالوا هزم الناس سراقة، فبلغ ذلك سراقة فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم.
فعند ذلك تبين للقوم أن ذلك الشخص ما كان سراقة بل كان شيطانًا.
فإن قيل: فإذا حضر إبليس لمحاربة المؤمنين.
ومعلوم أنه في غاية القوة، فلم لم يهزموا جيوش المسلمين؟
قلنا: لأنه رأى في جيش المسلمين جبريل مع ألف من الملائكة، فلهذا السبب خاف وفر.
فإن قيل: فعلى هذا الطريق وجب أن ينهزم جميع جيوش المسلمين لأنه يتشبه بصورة البشر ويحضر ويعين جمع الكفار ويهزم جموع المسلمين، والحاصل: أنه إن قدر على هذا المعنى فلم لا يفعل ذلك في سائر وقائع المسلمين؟ وإن لم يقدر عليه فكيف أضفتم إليه هذا العمل في واقعة بدر؟
الجواب: لعله تعالى إنما غير صورته إلى صورة البشر في تلك الواقعة أما في سائر الوقائع فلا يفعل ذلك التغيير.
السؤال الثاني: أنه تعالى لما غير صورته إلى صورة البشر فما بقي شيطانًا بل صار بشرًا.
الجواب أن الإنسان إنما كان إنسانًا بجوهر نفسه الناطقة، ونفوس الشياطين مخالفة لنفوس البشر فلم يلزم من تغيير الصورة تغيير الحقيقة، وهذا الباب أحد الدلائل السمعية على أن الإنسان ليس إنسانًا بحسب بنيته الظاهرة وصورته المخصوصة.
السؤال الثالث: ما معنى قول الشيطان {لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس} وما الفائدة في هذا الكلام مع أنهم كانوا كثيرين غالبين؟
والجواب: أنهم وإن كانوا كثيرين في العدد إلا أنهم كانوا يشاهدون أن دولة محمد عليه الصلاة والسلام كل يوم في الترقي والتزايد، ولأن محمدًا كلما أخبر عن شيء فقد وقع فكانوا لهذا السبب خائفين جدًا من قوم محمد صلى الله عليه وسلم، فذكر إبليس هذا الكلام إزالة للخوف عن قلوبهم، ويحتمل أن يكون المراد أنه كان يؤمنهم من شر بني بكر بن كنانة خصوصًا وقد تصور بصورة زعيم منهم، وقال: {إِنّى جَارٌ لَّكُمْ} والمعنى: إني إذا كنت وقومي ظهيرًا لكم فلا يغلبكم أحد من الناس ومعنى الجار ههنا: الدافع عن صاحبه أنواع الضرر كما يدفع الجار عن جاره، والعرب تقول: أنا جار لك من فلان أي حافظ من مضرته فلا يصل إليك مكروه منه.
ثم قال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءتِ الفئتان} أي التقى الجمعان بحيث رأت كل واحدة الأخرى نكص على عقيبه، والنكوص الأحجام عن الشيء، والمعنى: رجع وقال: إني أرى مالا ترون، وفيه وجوه: الأول: أنه روحاني، فرأى الملائكة فخافهم.
قيل: رأى جبريل يمشي بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام.
وقيل: رأى ألفًا من الملائكة مردفين.
الثاني: أنه رأى أثر النصرة والظفر في حق النبي عليه الصلاة والسلام، فعلم أنه لو وقف لنزلت عليه بلية.
ثم قال: {إِنّى أَخَافُ الله} قال قتادة صدق في قوله: {إِنّي أرى مَا لاَ تَرَوْنَ} وكذب في قوله: {إِنّى أَخَافُ الله} وقيل لما رأى الملائكة ينزلون من السماء خاف أن يكون الوقت الذي أنظر إليه قد حضر فقال: ما قال إشفاقًا على نفسه.
أما قوله: {والله شَدِيدُ العقاب} فيجوز أن يكون من بقية كلام إبليس، ويجوز أن ينقطع كلامه عند قوله أخاف الله.
ثم قال تعالى بعده: {والله شَدِيدُ العقاب}. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم} يعني مسيرهم ومعناه أن خروجهم لما كان للشيطان، زين لهم الشيطان أعمالهم وذلك أن أهل مكة لما وجدوا العير، أرادوا الرجوع إلى مكة، فأتاهم إبليس على صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكناني، فقال لهم: لا ترجعوا حتى تستأصلوهم، فإنكم كثير وعدوكم قليل.
ثم قال: {وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس}، يعني لا يطيقكم أحد لكثرتكم وقوتكم.
{فَلَمَّا تَرَاءتِ الفئتان}، يعني اجتمع الجمعان، جمع المؤمنين وجمع المشركين، {نَكَصَ على عَقِبَيْهِ}؛ أي راجعًا وراءه؛ فقال له الحارث بن هشام: أين ما ضمنت لنا؟ {وَقَالَ إِنّي بَرِيء مّنْكُمْ إِنّي أرى مَا لاَ تَرَوْنَ}.
فقال له الحارث: وهل ترى إلا جعاشيش أهل يثرب؟ والجعاشيش جمع جعشوش، وهو الرجل الحقير الدميم القصير.
فقال: {إِنّي أَخَافُ الله والله شَدِيدُ العقاب}.
قال ابن عباس: خاف إبليس أن يأخذه جبريل أسيرًا، فيعرفه الناس فيراه الكفار، فيعرفونه بعد ذلك، فلا يطيعونه؛ ولم يخف على نفسه الموت والقتل، لأنه كان يعلم أن له بقاء إلى يوم ينفخ في الصور.
قال إبليس: إني أرى ما لا ترون، أي أرى جبريل معتجرًا بردائه يقود الفرس، فلما تولى قالوا هزم الناس سراقة.
فسار سراقة بعد رجوعهم إلى مكة، وقال: والله ما شعرت بمسيركم، حتى بلغني هزيمتكم.
فقالوا له: ألم تأتنا يوم كذا وكذا؟ فحلف أنه لم يحضر؛ فلما أسلموا، علموا أنه كان إبليس.
وقال مقاتل: لم يجتمع جمع قط منذ كانت الدنيا أكثر من يوم بدر، وذلك أن إبليس جاء بنفسه، وحضرت الشياطين، وحضر كفار الجن كلهم، وتسعمائة وخمسون من المشركين، وثلاثمائة وثلاثة عشر من المؤمنين، وتسعون من مؤمني الجن، وألف من الملائكة.
وروي عن الحسن البصري أنه كان إذا قرأ هذه السورة، كان يقول: طوبى لجيش كان قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومبارزهم أسد الله، وجهادهم في طاعة الله، ومددهم ملائكة الله، وجارهم أمين الله، وثوابهم رضوان الله. اهـ.